العطور الأكثر مبيعا بين الوهم و الخيال

عندما كنت حديث العهد بعالمي العطور و الأنترنت ،، كنت أجوب بقاع الأرض من خلال حاسوبي المكتبي العتيق ، لأبحث عن آراء الناس هنا و هناك حول سؤال كان يلح على آنذاك .. ما هو أفضل عطر ؟ ما هي أكثر العطور مبيعا ؟

كنت أظن وقتها أن كل ماهو مكتوب على الأنترنت ، أمر مصدق و دستور يجب العمل به ! كنت أجلس بالساعات أبحث و أنقب ثم أخرج من المنزل لأجرب العطور التي كتب عنها أناس أغراب من بلاد مختلفة .

حقيقة لا أحب أن أخوض هنا في نقد ما كنت أطالعه على المنتديات العربية ! فأنتم تعرفون الردود فيها كيف كانت و ربما كيف هي حتى يومنا هذا ! و لمن لا يعرف .. أقول ، تجد فتاة مثلا دخلت منتدى من المنتديات ، و أرفقت بعض الصور عن عطور منها النسائي و منها الرجالي 😀 و تقول هذه عطوري ،، فتجد الردود انهالت علي الموضوع : واااااو – رووووعة – مشكووووورة غلاتي – جميل أوي – حلو خالص ! و هكذا ردود لا تضيف جديد !

لكن ما أحب أن أتحدث عنه اليوم هو ملخص مئات الصفحات باللغة الانجليزية على الأنترنت ، منشورة على مواقع أجنبية عدة!

تجد مقالا بعنوان “3 عطور يجب شرائها” .. يا سلاااااام أكيد 3 عطور أسطورة و قنبلة عطرية 😀 فتجد الثلاثة عطور هي : عطر 212 للرجال و عطر فرساتشي للرجال و عطر اكوا دي جيو الحاضر في معظم الموضوعات المشابه!

قديما كنت أقول ، حتما يجب أن أجرب هذه العطور و أقتنيها .. وكنت أدخر نقودا طوال شهور حتى تحين اللحظة التي أستطيع فيها دخول متجر العطور بقلب جامد و أقول للبائع أعطي هذه العطور! وبعد لحظات … !

خيبة أمل ! و أحيانا خيبة عمر أيضا 😀 ( أمل وعمر .. موضوع يطول شرحه ) .. لا أدري فعلا لماذا يتوجب على أي من كان أن يقتني عطور مثل تلك ، خصوصا عطر 212 للرجال ! صيح قد تعجب البعض ، بل لعل هذه العطور فعلا من أكثر العطور مبيعا على مستوى العالم ! لكن مازلت لا أفهم لماذا يتوجب على أي من كان شرائها ، رغم أنها لا تعتبر علامات عطرية و لا تعبر عن كاريزما ( شخصية ) و لا تترك انطباعا قويا لدى الغرباء عنك ! ولا تترك توقيعا و أثرا في المكان ! لماذا تجد الكثير و الكثير من المواقع الغربية ترشح هذه العطور ؟!

طبعا الأجابة للأسف رغم بساطتها و سهولتها ، أكتشفتها بعد أن مرت بعض السنون ! ربما غباء مني و ربما أعتقاد خاطيء بأن كل ما تكتبه المواقع الأجنبية مجرب و موثوق و مضمون!

أكتشفت ، أن معظم من يكتبون في هذا المجال ، لن أقول لا علاقة لهم بعالم العطور ، بل ربما لا يستخدمون العطور باديء الأمر ، أو أنهم لم يجربوا العطور التي يكتبون عنها أو أنهم لم يجربوا سوى تلك العطور التي يكتبون عنها و هي قليلة!

أن تكتب عن عطر ، أن تختار عطر دون آلاف العطور لتقول أنه من العطور التي يجب اقتنائها ، مهمة شاقة جدا ، ولعل الأخوة الذين جربوا الكتابة حول العطور و اتقنوها مثل الغانم و سوسمبل على سبيل المثال لا الحصر، يمضون ساعات في التفكير ثم ساعات في الانتقاء و الترجيح ثم ساعات في الكتابة ، حتى يخرجوا عليكم بمقال واحد من مقالاتهم الرائعة. أن تفهم الفكرة خلف العطر ، و أن تفهم سبب تسمية العطر و أن تفهم و تستوعب مكونات العطر ، و أن تعرف الشركة المنتجة للعطر و الأنف خلف العطر ، أن تفهم ميولك العطرية و لماذا تشتري العطر ، كلها أمور تساعد على تجنب الخسائر المالية و النفسية ، خصوصا و أنت تدفع في زجاجة عطر مبلغ قد يعادل أو يزيد عن راتب موظف في مصر!

بعض من هؤلاء الذين لا علاقة لهم بعالم العطور أو جربوا عددا محدودا من العطور خلال حياتهم ، لديهم مواقع على الأنترنت ، يكتبون من وقت لأخر موضوعات منخفضة الأهمية و الجودة و تظهر في أول نتائج البحث ، لأن محركات البحث تعطي أولوية لقدم الموقع و عدد زياراته و سرعة سرفراته ، مهما كان المحتوى و حتى لو كان الموضوع “ريان يا فجل” 😀 مثل تلك المواقع تعتمد بشكل أساسي في انتقائها للعطور الأفضل ، على معامل غاية في الخطورة وهو ” العطور الأكثر مبيعا” .. فهل حقا تعتقد أن العطور الأكثر مبيعا هي بالضرورة العطور الأفضل و التي حتما يجب أقتنائها ؟

هؤلاء الذين يكتبون مقالات مضللة ، يسعون بمقالاتهم إلى جذب أكبر عدد من الزوار لمواقعهم و يساهمون في تعظيم خرافة العطور الأكثر مبيعا .. فالموضوع و كأنك تسير في حلقة مفرغة .. افضل العطور هي أكثر العطور مبيعا و أكثر العطور مبيعا هي أفضل العطور! هكذا تصل لقناعة مضللة ، رغم أن الحقيقة ربما تكون بيعدة تماما عن ذلك. الدليل أن العطور الفخمة و الباهظة الثمن لا تباع باديء الأمر في 99% من المتاجر و الاسواق الالكترونية على الشبكة العنكبوتيه! فكيف يمكننا القول أن أكثر العطور مبيعا هي الأفضل ومن ثم ، يختار كل من هب و دب بعض منها و يكتب مقالا عنها يزاحم به المواقع المتخصصة في محركات البحث !  بل أحيانا تجد عنوان مقال من المقالات : افضل 3 عطور للعام 2012 يجب اقتنائها ، ثم تجده يذكر عطور ليست من انتاج العام 2012! حتى أنني وجدت مقالا عن أفضل عطور للعام 2013 ! ونحن مازلنا في العام 2012 😀

حتى عندما تكتب المواقع المتخصصة ، حول أفضل العطور ، تراعي تنوع الأذواق و تعرض عليك بعض من أفضل المتاح ، وتكون مضطرة لاستخدام عبارات مثل “أفضل عطر” لأن الباحث على الانترنت يكتب هكذا عبارات في محرك البحث .و هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذه فعلا هي أفضل العطور على الاطلاق ، ويجب على المبتدأ في عالم اقتناء العطور أن يفهم هذه النقطة جيدا و أن يعيها و يستوعبها و يضعها دائما نصب عينيه.

من أكثر الأشياء التي تصيبني بالضجر ، عندما أجد أحد العباقرة وقد كتب مقالا بعنوان عطور ذكورية أو كاريزمية و احتل به النتيجة الأول في محرك بحث جوجل ، و عندما تدخل الموضوع تجده أرفق صورة عطر اكوا دي جيوا! الصيفي الشبابي المائي السكري الخفيف! تخيل أحمد مكي في مسلسل “الكبير” وهو يرتدي عطر أكوا دي جيو 😀 هل يعقل هذا !

و الأن ،، هل تؤثر فيك عبارة “أكثر العطور مبيعا” هل اشتريت ولو مرة عطر لأنه من أكثر العطور مبيعا ؟ وهل كان متوافق مع تطلعاتك ؟ وكيف تختار عطورك بوجه عام ؟