كيف أعرف العطر الاصلي من التقليد

كيف أعرف العطر الاصلي من التقليد المغشوش؟

سؤال بات يلح على عقول الكثير من مستخدمي العطور هذه الأيام – كيف أعرف العطر الاصلي من التقليد – وذلك لكثرة إنتشار العطور الغير ثابتة و الغير فواحة و للتفاوت الكبير في الأسعار الذي تجده بين أسعار العطور لدى المحلات الصغيرة و عبر الإنترنت من جانب و أسعار العطور لدى متاجر العطور الكبرى المشهورة من جانب آخر.

لكن قبل أن نبدأ في مراجعة الفرق بين العطر الاصلي و التقليد ، هناك عدة حقائق يجب أن نلتفت إليها قبل الشك و التشكك و التشكيك و إنفاق الوقت في السعي خلف السراب .. و أحب أن أوضح لكم أحبابي أن الباعث على كتابة هذا المقال هو إندهاشي من كم المغالطات و المعلومات الخاطئة التي وجدتها بالصدفة على الإنترنت منشورة بواسطة هواة لا دخل لهم من قريب أو من بعيد بعالم العطور! فقط مواقع تبحث عن عناوين رنانة لجذب المزيد من الزوار!

أولا : الثبات و الفوحان! نعم ثبات العطر و فوحانه ليس مقياسا على أصالة العطر من عدمها .. يعني كون العطر ثابت و فواح لا يعني بالضرورة أنه عطر أصلي ، كما أن ضغف ثبات العطر و قلة فوحانه لا يعني بالضرورة أن العطر مقلد أو مغشوش .. فكثيرا ما نجد عطورا مقلدة أو خلطات عطرية تباع لدى محلات الزيوت العطرية أقوى ثباتا و فوحانا من العطر الأصلي ! فما الفارق إذن و ما الذي يجعلني أنفق المزيد من المال لشراء عطر أصلي طالما المغشوش سعره أقل و ثباته و فوحانه أكثر ؟ أقول لك رائحة العطر و التدرج العطري و الحفاظ على الصحة .. فالعطور المقلدة و تلك الزيوت التي تباع بثمن بخس ما هي إلا محاكاة للعطر الأصلي و مكوناته ، و تحوي تلك العطور المقلدة مواد ضارة بالصحة على المدى البعيد .. جلسرين و زيوت معدنية و مثبات و معززات رائحة محظور استخدامها على مصنعي العطور في الإتحاد الأوروبي و معظم تلك الزيوت تأتي من دول سئية السمعة في مجال الإلتزام بحظر المواد الضارة بالصحة كالصين و أوكرانيا و غيرهما . لذات السبب قامت شركات عطور فرنسية شهيرة مؤخرا بإعادة توليف عطورها القديمة بعد أن منعها الاتحاد الأوروبي من إستخدام بعض المواد المضرة بالصحة ، لكن للأسف صار ثبات و فوحان تلك العطور الأصلية أقل من ذي قبل! طبعا ممكن يظهر واحد يحب يتفلسف و يقول أنه صار له ١٠ سنين يستخدم عطور مغشوشة و زيوت عطرية صناعية رديئة و ما حصل له شيء! هذا القول يشبه تماما كلام واحد يقول “أنه صار له ٢٥ سنة يشرب حشيش و لم يدمنه!” .. أقول لهذا المتفلسف أن تأثير تلك المواد الضارة يظهر تدريجيا على هيئة تلف في خلايا الدماغ .. يعني باختصار تلاقي نفسك أصبحت غبي أكثر من الأول 😀 كما أن لتلك المواد الداخلة في صناعة العطور المغشوشة تأثير بعيد المدى على الجهاز التنفسي و قد يسبب إستنشاقها لفترات طويلة بعض الأمراض المناعية و الحساسية في الجهاز التنفسي… يندرج أيضا تحت تلك القائمة السوداء معطرات الجو الرخيصة و معطرات السيارة الرخيصة التي تنتجها شركات بدون تاريخ ولا سمعة ولا إشراف من أي جهة رقابية .. و بعض الناس الذين لديهم حس و شعور أكثر من الآخرين قد تنتابهم موجة من الإنزعاج النفسي و الضيق عند شم تلك الروائح الصناعية الرخيصة.

ثانيا : من الأباطيل التي تروجها بعض المواقع عن جهل ، أن العطر الأصلي لا يوجد أسفل زجاجته لاصق يحوي اسم العطر أو بعض البايانات ! فمن الثابت حاليا أن غالبية العطور الأصلية يوجد أسفل زجاجتها ملصق (ستيكر) يحوي اسم العطر أو بعض البيانات! و قلما تجد عطر أصلي محفورا أسفل زجاته تلك البيانات سواء بالبارز أو بالغائر! يعني : غالبية العطور هذه الأيام صار أسفل زجاجتها ستيكر و قلة قليلة من العطور الأصلية تجد كتابة محفورة أسفل زجاجتها على عكس ما يظن البعض.

ثالثا : رج الزجاجة و شاهد الفقاعات ! هذه من أغرب الحيل السحرية التي تصل لمرتبة الدجل و الشعوذة 😀 لا علاقة لمدة بقاء تلك الفقعات من عدمها بأصالة العطر من عدمه ! و عن تجربة تختفي تلك الفقاعات سريعا في العطر الأصلي! و هؤلاء الذين يقولون بأن فقعات العطر الأصلي – بعد رج زجاته – يجب أن تبقى مدة أطول من فقعات العطر المقلد ، أقول لعلهم لم يغطوا أنفسهم جيدا عند النوم و تركوا جزء من أجسادهم خارج الغطاء 😀

رابعا : الشوائب / تضرر تغليف العطر/ عيوب طفيفة في بنية الزجاجة / الرشاش لا يعمل كما ينبغي / الأنبوب داخل الزجاجة لا يصل للقاع / بقع على الملابس القطنية أحيانا / أثر زيتي أو حتى مائي على الجلد : كل ما سبق لا يجب حدوثه مع العطر الأصلي من حيث الأصل (كقاعدة عامة) لكن لوحظ أن كل ما سبق ما هو إلا قرينة بسيطة يسهل دحضها (نفيها) عند الملاحظة الدقيقة للكثير من العطور الأصلية المنتجة في السنوات القليلة الماضية .. يعني : كل ما سبق لا يعتبر دليلا على أن العطر مغشوش ، فمثلا تجد عطر أصلي ١٠٠% تم شرائه من الوكيل الرسمي للعطر و تجد أن الرشاش لا يعمل كما ينبغي له ، بل و ربما تجد أحيانا أنه لا يعمل من أساسه ! و هذا حدث معي شخصيا ! مثال أيضا عطر نيشي فاخر يباع حصريا لدى بعض مواقع بيع العطور النيش و تجد أن أنبوب العطر لا يصل لقاع الزجاجة! بعض عطور العلامات التجارية الشهيرة في مجال الأزياء قد تجد أحيانا بعض الشوائب الطفيفة في سائل العطر أو بعض العيوب الطفيفة في زجاجة العطر أو تغليفه. كما أن هناك بعض العطور النيش التي تباع حصرا لدى متاجرها الأصلية الحصرية و عند استخدامها على الملابس القطنية تجد بقعا صفراء أو بنية فاتحة !

خامسا : العطر المقلد توجد بعلبته الخارجية أو على زجاجته بعض الأخطاء في الكتابة أو التفاصيل ! يبدو أن من يقول بذلك لم يذهب إلى “تشاينا تاون” في أمريكا ! هناك تجد عطورا مقلدة من شبه المستحيل التفرقة بينها و بين العطور الأصلية لا في جودة التغليف و لا في شكل العبوة و لا الكتابة على الزجاجة بل و حتى في الرائحة ! سبق و أن شاهدت فيلما وثائقيا عن “صناعة التقليد” و ما أدهشني حقيقة أن النساء عندما عرض عليهن عطر شانيل رقم ٥ الأصلي و المقلد لم يستطعن التفرقة بينهما ، بل وجدت أن غالبيتهن قد قلن أن العطر الأصلي هو هذا العطر ، ليتضح بعدها أنه العطر المقلد و ليس الأصلي!

سادسا : سعر العطر المبالغ في رخص سعر بيعه! يعني تجد العطر عند الوكيل بألف ريال و تجده عند عمك حموكشة على الفيسبوك بنصف السعر ! هذا ليس دليل على أن عمك حموكشة يبع عطر مغشوش .. لماذا ؟ شوف يا محترم .. هناك مصنع يصنع العطر ، يقوم واحد يستورد العطر في بلد من البلدان ، يقوم هذا المستورد يفتح متجر عطور فخم شيك يصرف عليه و يشغل عنده ناس حلوة ، فيصرف فلوس كتير ، و يسمح لك تروح تجرب عنده و تفضل داخل خارج تجرب و أنت و لا بتشتري ! صرف فلوس كتير صح؟ لهذا يبيع بسعر غالي … لكن غالبا تجد أن هذا المستورد نفسه يبيع لتجار أصغر منه حبات حبات و يبيع التستر و عينات التجربة كمان ، لكن بأسعار منخفضة تصل لأقل من ٥٠% أحيانا و غالبا بيكون فارق السعر من ٣٠% إلى ٥٠ % عن السعر الذي يبيع هو به العطور في متجره الكبير الفخم الشيك . كمان هناك مستورد يشتري كميات ضخمة بخصم ضخم ثم يعيد طرحها للبيع في إقليم آخر خارج نطاقه الحصري ، أي كان سبب ذلك و كيفيته ، و في تلك الحالة أيضا تجد اختلافا كبيرا في السعر . لاحظ أيضا أن هناك من يدفع جمارك و ضرائب و هناك من لا يدفع جمارك و لا ضرائب ! و طبعا السعر يختلف . و بشكل عام فأرخص عطور أصلية ممكن تشتريها تجدها على مواقع الإنترنت الأمريكية و التشيكية ، و هذا راجع للوضع الإقتصادي الخاص بتلك الدولتين .. يعني ربما لا يدفعون تكاليف تشغيل أو ضرائب و خلافه بنفس القدر الذي يدفعه التجار في باقي الدول.

حسنا … كيف أعرف الفرق بين العطر الاصلي و العطر التقليد ؟ الإجابة تحتاج أولا أن نفهم شيئا هاما يتعلق بطبيعة أو فيزياء العطر كونه مادة سائلة متطايرة تخضع لقوانين الفيزياء و الكمياء. فالعطر يحوي زيوتا عطرية (مستخلصات عطرية زيتية طبيعية أو أشباه صناعية) كما يحوي نوع أو نوعين من الكحول ، بالإضافة إلى الكثير من المواد الكميائية التي تساعد على بقاء العطر سائلا و عدم تجمده، إلى آخره من المواد الضرورية لصناعة العطر و سهولة استخدامه على صورة رذاذ. تلك الطبيعة المجانسة في العطر الأصلي يستحيل توافرها بهذا التناغم في العطر المقلد ، لسبب بسيط جدا و هو : أنه لو حدث و قام مصنع بتقليد عطر ما و استخدم ذات المواد بذات التناغم ، لما كان في هذا الوقت من مجال للحديث عن عطر مغشوش لأنه ببساطة سيكون نسخة ١٠٠% متطابقة مع العطر الأصلي، و وقتها لن تلاحظ لا أنت و لا أنا أي اختلاف و ستدفع مبلغ أقل للعطر الذي سيتحمل صانعه وحده مخاطر الإفلاس !

بمعنى أسهل على الفهم : أن صانع العطر المقلد يحاول بكل الطرق نسخ العطر الأصلي مع الاحتفاظ بفارق في جودة المواد المستخدمة لكي يربح المال الوفير الذي يفسر له عناء الغش و مخاطر كشف أمره و القبض عليه و غلق مصنعه. تلك الحقيقة التي تجعل دائما من العطر المغشوش مجرد نسخة لصورة أخرى أصلية أكثر إتقانا في دقة التفاصيل و تناغمها.

فالفارق الوحيد الذي يمكن اعتماده كضابط دقيق (حتى الأن) للتفرقة بين العطر الأصلي و المقلد ، هو تطور عبير العطر على بشرتك أنت عند الاستخدام المتزامن و الممتد . فالعطر المغشوش يعطيك نفس الرائحة لمدة قد تصل لعشر دقائق و بعدها يبدأ العطر شأنه شأن العطر الأصلي في التطور .. لكن في العطر الأصلي يكون ذلك التطور متنقن متناغم ، بينما في العطر المغشوش تجد فاصلا أو نقلة بين أول عشرة دقائق و باقي مدة بقاء العطر ، تلك الفجوة أو النقلة تستشعرها الأنف المدربة أو الأنف التي اعتادت على هذا العطر محل التجربة.

طبعا نحن لا نتحدث هنا عن تحليل العطر لدى مختبر علمي متخصص ، فتلك المختبرات لها من الوسائل التقنية ما يمكنها من كشف العوار الموجود في بنية السائل و المواد المستخدمة لتكوينه مادة مادة و قطرة قطرة.

لذلك فالأنف و التجربة المتشعبة هي الحل لكشف العطر الأصلي من المقلد . لكن قد لا تتاح لك فرصة التجربة ، كما أننا لسنا مثل بعض من حيث القدرات الشمية أو التحليلية ، فما هو الحل إذن ؟

الحل أن تريح بالك و تشتري دائما من متجر موثوق يتعامل معه الكثير من الناس ، سواء كان متجرا في قرية أو مدينة أو على الإنترنت ، و اترك خلف ظهرك تقمس أدوار المفتش كورومبو و تحليلاته ، و لا تلتفت لأساطير و شعوذات المشعوذين حول عطور صناعة الامارات و عطور صناعة الصين و عطور صناعة ماليزيا و كل هذا الكلام ، لأنك في الفرض الجدلي لو عثرت على أي منها فستكتشفها بسهولة بسبب سوء التغليف و التعبئة التي تصل لحد الضحالة ، و إذا لم تكتشفها بالأمارات الظاهرة ، فستكتشفها بمقارنة عبير العطر مع عبير العطر الأصلي و تطوره ، و إذا لم يفلح أي من ذلك ، فاعلم أنك أمام عطر أصلي أو أمام عطر أتقن صانعه فيه إلى أن وصل به لمصاف العطر الأصلي ، و وقتها لا أعتقد أنه سيزعج إستخدامه على أية حال 😀 و احذر من هؤلاء الذين يبيعون تسترات بكميات ضخمة من نفس العطر و بأسعار منخفضة جدا لأنه في الغالب عطر مضروب و الله أعلى و أعلم، كما ستلاحظ أنهم يركزون على بيع عطور أو ماركات مشهورة جدا ينتشر التزييف و التقليد فيها مثل شانيل و ديور و توم فورد.

راجع أيضا موضوع قراءة البار كود ورقم اللوت للعطور